فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن الضمير عائد إلى اليهود الذين تقدم ذكرهم، فإنه تعالى لما بين فيهم الوعيد بقوله: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ} [البقرة: 102] أتبعه بالوعد جامعًا بين الترهيب والترغيب لأن الجمع بينهما أدعى إلى الطاعة والعدول عن المعصية.
أما قوله تعالى: {ءامَنُواْ} فاعلم أنه تعالى لما قال: {نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كتاب الله وَرَاء ظُهُورِهِمْ} [البقرة: 101] ثم وصفهم بأنهم اتبعوا ما تتلوا الشياطين وأنهم تمسكوا بالسحر.
قال من بعد: {وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ} يعني بما نبذوه من كتاب الله.
فإن حملت ذلك على القرآن جاز، وإن حملته على كتابهم المصدق للقرآن جاز؛ وإن حملته على الأمرين جاز، والمراد من التقوى الاحتراز عن فعل المنهيات وترك المأمورات.
أما قوله تعالى: {لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ الله خَيْرٌ} ففيه وجوه، أحدها: أن الجواب محذوف وتقديره ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا إلا أنه تركت الجملة الفعلية إلى هذه الإسمية لما في الجملة الإسمية من الدلالة على ثبات المثوبة واستقرارها.
فإن قيل: هلا قيل لمثوبة الله خير؟ قلنا: لأن المراد لشيء من ثواب الله خير لهم.
وثانيها: يجوز أن يكون قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ} تمنيًا لإيمانهم على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم كأنه قيل: وليتهم آمنوا، ثم ابتدأ.
لمثوبة من عند الله خير. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتقوا} أي اتقوا السحر.
{لَمَثُوبَةٌ} المثوبة الثواب؛ وهي جواب {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ} عند قوم.
وقال الأخفش سعيد: ليس ل {لَو} هنا جواب في اللفظ ولكن في المعنى؛ والمعنى لأثيبوا.
وموضع أن من قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ} موضع رفع؛ أي لو وقع إيمانهم؛ لأن لولا يليها إلا الفعل ظاهرًا أو مضمرًا؛ لأنها بمنزلة حروف الشرط إذ كان لابد له من جواب؛ وأنّ يليه فعل.
قال محمد بن يزيد: وإنما لم يجاز بلَو لأن سبيل حروف المجازاة كلها أن تقلب الماضي إلى معنى المستقبل، فلما لم يكن هذا في لَو لم يَجُز أن يجازَى بها. اهـ.

.قال الزمخشري:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ} برسول الله والقرآن {واتقوا} الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين {لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ الله خَيْرٌ}.
وقرئ: {لَمَثْوَبَةٌ}، كمشورة ومشورة {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} أنّ ثواب الله خير مما هم فيه وقد علموا، ولكنه جهلهم لترك العمل بالعلم.
فإن قلت: كيف أوثرت الجملة الاسمية على الفعلية في جواب لو؟
قلت: لما في ذلك من الدلالة على اثبات المثوبة واستقرارها كما عدل عن النصب إلى الرفع في سلام عليكم لذلك، فإن قلت: فهلا قيل لمثوبة الله خير؟
قلت: لأن المعنى: لشيء من الثواب خير لهم.
ويجوز أن يكون قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ} تمنيًا لإيمانهم على سبيل المجاز عن إرادة الله إيمانهم واختيارهم له، كأنه قيل: وليتهم آمنوا.
ثم ابتدئ لمثوبة من عند الله خير. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ} بالرسول والكتاب.
{واتقوا} بترك المعاصي، كنبذ كتاب الله واتباع السحر {لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ الله خَيْرٌ} جواب لو، وأصله لأثيبوا مثوبة من عند الله خيرًا مما شروا به أنفسهم، فحذف الفعل وركب الباقي جملة اسمية لتدل على ثبات المثوبة والجزم بخيريتها، وحذف المفضل عليه إجلالًا للمفضل من أن ينسب إليه، وتنكير المثوبة لأن المعنى لشيء من الثواب خير، وقيل: لو للتمني، و{لَمَثُوبَةٌ} كلام مبتدأ. وقرئ {لَمَثُوبَةٌ} كمشورة، وإنما سمي الجزاء ثوابًا ومثوبة لأن المحسن يثوب إليه {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} أن ثواب الله خير مما هم فيه، وقد علموا لكنه جَهَّلَهُم لترك التدبر، أو العمل بالعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ولو أنهم آمنوا واتقوا}: قد تقدّم الكلام في لو وأقسامها، وهي هنا حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، ويأتي الكلام على جوابها إن شاء الله.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون قوله: {ولو أنهم آمنوا} تمنيًا لإيمانهم، على سبيل المجاز، عن إرادة الله، إيمانهم واختيارهم له، كأنه قيل: وليتهم آمنوا، ثم ابتدئ: {لمثوبة من عند الله خير}،. انتهى.
فعلى هذا لا يكون للجواب لازم، لأنها قد تجاب إذا كانت للتمني بالفاء، كما يجاب ليت.
إلا أن الزمخشري دس في كلامه هذا، ويحرجه مذهبه الاعتزالي، حيث جعل التمني كناية عن إرادة الله، فيكون المعنى: إن الله أراد إيمانهم، فلم يقع مراده، وهذا هو عين مذهب الاعتزال، والطائفة الذين سموا أنفسهم عدلية:
قالوا يريد ولا يكون مراده ** عدلوا ولكن عن طريق المعرفه

وأنهم آمنوا، يتقدّر بمصدر كأنه قيل: ولو إيمانهم، وهو مرفوع.
فقال سيبويه: هو مرفوع بالابتداء، أي ولو إيمانهم ثابت.
وقال المبرد: هو مرفوع على الفاعلية، أي ولو ثبت إيمانهم.
ففي كل من المذهبين حذف للمسند، وإبقاء المسند إليه.
والترجيح بين المذهبين مذكور في علم النحو، والضمير في أنهم لليهود، أو الذين يعلمون السحر، قولان.
والإيمان والتقوى: الإيمان التام، والتقوى الجامعة لضروبها، أو الإيمان بمحمد وبما جاء به، وتقوى الكفر والسحر، قولان متقاربان.
{لمثوبة}: اللام لام الابتداء، لا الواقعة في جواب لو، وجواب لو محذوف لفهم المعنى، أي لا ثيبوا، ثم ابتدأ على طريق الإخبار الاستئنافي، لا على طريق تعليقه بإيمانهم وتقواهم، وترتبه عليهما، هذا قول الأخفش، أعني أن الجواب محذوف.
وقيل: اللام هي الواقعة في جواب لو، والجواب: هو قوله: {لمثوبة}، أي الجملة الإسمية.
والأول اختيار الراغب، والثاني اختيار الزمخشري.
قال: أوثرت الجملة الإسمية على الفعلية في جواب لو، لما في ذلك من الدلالة على ثبوت المثوبة واستقرارها، كما عدل عن النصب إلى الرفع في: سلام عليكم لذلك، انتهى كلامه.
ومختاره غير مختار، لأنه لم يعهد في لسان العرب وقوع الجملة الابتدائية جوابًا للو، إنما جاء هذا المختلف في تخريجه.
ولا تثبت القواعد الكلية بالمحتمل، وليس مثل سلام عليكم، لثبوت رفع سلام عليكم من لسان العرب.
ووجه من أجاز ذلك قوله: بأن مثوبة مصدر يقع للماضي والاستقبال، فصلح لذلك من حيث وقوعه للمضي.
وقد تكلمنا على هذه المسألة في كتاب التكميل من تأليفنا، بأشبع من هذا.
وقرأ الجمهور: لمثوبة بضم الثاء، كالمشورة.
وقرأ قتادة وأبو السمال وعبد الله بن بريدة: بسكون الثاء، كمشورة.
ومعنى قوله: لمثوبة، أي لثواب، وهو الجزاء والأجر على الإيمان والتقوى بأنواع الإحسان.
وقيل: لمثوبة: لرجعة إلى الله خير.
{من عند الله}: هذا الجار والمجرور في موضع الصفة، أي كائنة من عند الله.
وهذا الوصف هو المسوّغ لجواز الابتداء بالنكرة.
وفي وصف المثوبة بكونها من عندالله، تفخيم وتعظيم لها، ولمناسبة الإيمان والتقوى.
لذلك، كان المعنى: أن الذي آمنتم به واتقيتم محارمه، هو الذي ثوابكم منه على ذلك، فهو المتكفل بذلك لكم.
واكتفى بالتنكير في ذلك، إذ المعنى لشيء من الثواب.
قليلك لا يقال له قليل

{خير} خبر لقوله: لمثوبة، وليس خير هنا أفعل تفضيل، بل هي للتفضيل، لا للأفضلية.
فهي كقوله: {أفمن يلقى في النار خير}، {وخير مستقرًا}.
فشركما لخيركما الفداء

{لو كانوا يعلمون}: جواب لو محذوف: التقدير: لو كانوا يعلمون لكان تحصيل المثوبة خيرًا، ويعني سبب المثوبة، وهو الإيمان والتقوى.
ولذلك قدّره بعضهم لآمنوا، لأن من كان ذا علم وبصيرة، لم يخف عليه الحق، فهو يسارع إلى اتباعه، ولا الباطل، فهو يبالغ في اجتنابه.
ومفعول يعلمون محذوف اقتصارًا، فالمعنى: لو كانوا من ذوي العلم، أو اختصارًا، فقدره بعضهم: لو كانوا يعلمون التفضيل في ذلك، وقدره بعضهم: لو كانوا يعلمون أن ما عند الله خير وأبقى.
وقيل: العلم هنا كناية عن العمل، أي لو كانوا يعلمون بعلمهم، ولما انتقت ثمرة العلم الذي هو العمل، جعل العلم منتفيًا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ} أي بالرسول المومأ إليه في قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مّنْ عِندِ الله} الخ أو بما أنزل إليه من الآيات المذكورة في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ءايات بينات وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الفاسقون} أو بالتوراةِ التي أريدتْ بقوله تعالى: {نَبَذَ فَرِيقٌ مّنَ الذين أُوتُواْ الكتاب كتاب الله وَرَاء ظُهُورِهِمْ} فإن الكفر بالقرآن والرسول عليه السلام كفرٌ بها {واتقوا} المعاصيَ المحكيةَ عنهم {لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ الله خَيْرٌ} جواب لو، وأصلُه لأُثيبوا مَثوبةً من عند الله خيرًا مما شرَوْا به أنفسَهم فحُذفَ الفعلُ وغُيِّر السبكُ إلى ما عليه النظمُ الكريم دلالةً على ثبات المثوبةِ لهم والجزمِ بخيريّتها، وحُذف المفضَّلُ عليه إجلالًا للمفضَّل من أن يُنسبَ إليه، وتنكيرُ المثوبة للتقليل ومن متعلقة بمحذوفٍ وقع صفةً تشريفيةً لِمثوبةٌ أي لَشيءٌ ما من المثوبة الكائنة من عنده تعالى خير، وقيل: جواب لو محذوفٌ أي لأثيبوا، وما بعده جملة مستأنفة فإن وقوعَ الجملةِ الابتدائية جوابًا لِلَوُ غيرُ معهود في كلام العرب وقيل: لو للتمني ومعناه أنهم من فظاعة الحال بحيث يتمنى العارفُ إيمانَهم واتقاءهم تلهّفًا عليهم، وقرئ: {لمثوبة} وإنما سمي الجزاء ثوابًا ومثوبةً لأن المحسن يثوب إليه {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} أن ثواب الله خيرٌ، نُسبوا إلى الجهل لعدم العملِ بموجب العلم. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ} أي بالرسول، أو بما أنزل إليه من الآيات، أو بالتوراة {واتقوا} أي المعاصي التي حيكت عنهم {لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ الله خَيْرٌ} جواب {لَوْ} الشرطية، وأصله لأثيبوا مثوبة من عند الله خيرًا مما شروا به أنفسهم فحذف الفعل، وغير السبك إلى ما ترى ليتوسل بذلك مع معونة المقام إلى الإشارة إلى ثبات المثوبة، وثبات نسبة الخيرية إليها مع الجزم بخيريتها لأن الجملة إذا أفادت ثبات المثوبة كان الحكم بمنزلة التعليق بالمشتق، كأنه قيل: لمثوبة دائمة خير لدوامها وثباتها، وحذف المفضل عليه إجلالًا للمفضل من أن ينسب إليه، ولم يقل لمثوبة الله، مع أنه أخصر ليشعر التنكير بالتقليل، فيفيد أن شيئًا قليلًا من ثواب الله تعالى في الآخرة الدائمة خير من ثواب كثير من الدنيا الفانية، فكيف وثواب الله تعالى كثير دائم، وفيه من الترغيب والترهيب المناسبين للمقام ما لا يخفى، وببيان الأصل انحل إشكالان لفظي وهو أن جواب {لَوْ} إنما يكون فعلية ماضوية ومعنوي وهو أن خيرية المثوبة ثابتة لا تعلق لها بإيمانهم وعدمه، ولهذين الاشكالين قال الأخفش واختاره جمع لسلامته من وقوع الجملة الابتدائية في الظاهر جوابًا للو ولم يعهد ذلك في لسان العرب كما في (البحر) أن اللام جواب قسم محذوف والتقدير ولو أنهم آمنوا واتقوا لكان خيرًا لهم ولمثوبة عند الله خير وبعضهم التزم التمني ولكن من جهة العباد لا من جهته تعالى خلافًا لمن اعتزل دفعًا لهما إذ لا جواب لها حينئذ، ويكون الكلام مستأنفًا، كأنه لما تمنى لهم ذلك قيل: ما هذا التحسر والتمني؟ فأجيب بأن هؤلاء المبتذلين حرموا ما شيء قليل منه خير من الدنيا وما فيها، وفي ذلك تحريض وحث على الإيمان، وذهب أبو حيان إلى أن خير هنا للتفضيل لا للأفضلية على حد:
فخيركما لشركما فداء

والمثوبة مفعلة بضم العين من الثواب، فنقلت الضمة إلى ما قبلها، فهو مصدر ميمي، وقيل: مفعولة وأصلها مثووبة فنقلت ضمة الواو إلى ما قبلها، وحذفت لالتقاء الساكنين، فهي من المصادر التي جاءت على مفعولة كمصدوقة كما نقله الواحدي ويقال: {مَثُوبَةً} بسكون الثاء وفتح الواو وكان من حقها أن تعل، فيقال: مثابة كمقامة إلا أنهم صححوها كما صححوا في الأعلام مكوزة وبها قرأ قتادة وأبو السماك؛ والمراد بها الجزاء والأجر، وسمي بذلك لأن المحسن يثوب إليه، والقول بأن المراد بها الرجعة إليه تعالى بعيد {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} المفعول محذوف بقرينة السابق، أي إن ثواب الله تعالى خير وكلمة لو إما للشرط، والجزاء محذوف أي: آمنوا وإما للتمني ولا حذف، ونفي العلم على التقديرين بنفي ثمرته الذي هو العمل، أو لترك التدبر. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)}.
أي لو آمنوا بمحمد واتقوا الله فلم يقدموا على إنكار ما بشرت به كتبهم لكانت لهم مثوبة من عند الله، ومثوبة الله خير من كل نفع حملهم على المكابرة.
ولو شرطية امتناعية اقترن شرطها بأن مع التزام الفعل الماضي في جملته على حد قول امرئ القيس:
ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشةٍ ** كفاني ولم أطلب قليلٌ من المال

وأن مع صلتها في محل مبتدأ عند جمهور البصريين وما في جمل الصلة من المسند والمسند إليه أكمل الفائدة فأغنى عن الخبر.
وقيل خبرها محذوف تقديره ثابت أي ولو إيمانهم ثابت.
وقوله: {لمثوبة} يترجح أن يكون جواب لو فإنه مقترن باللام التي يكثر اقتران جواب لو المثبت بها والجواب هنا جملة اسمية وهي لا تقع جوابًا للو في الغالب وكان هذا الجواب غير ظاهر الترتب والتعليق على جملة الشرط لأن مثوبة الله خير سواء آمن اليهود واتقوا أم لم يفعلوا.
قال بعض النحاة الجواب محذوف أي لأثيبوا ومثوبة من عند الله خير.
وعدل عنه صاحب (الكشاف) فقال: أوثرت الجملة الاسمية في جواب لو على الفعلية لما في ذلك من الدلالة على ثبات المثوبة واستقرارها كما عدل عن النصب إلى الرفع في {سلام عليكم} [الزمر: 73] لذلك. اهـ.
ومراده أن تقدير الجواب لأثيبوا مثوبة من الله خيرًا لهم مما شروا به أنفسهم، أو لمثوبةً بالنصب على أنه مصدر بدل من فعله، وكيفما كان فالفعل أو بدله يدلان على الحدوث فلا دلالة له على الدوام والثبات.
ولما كان المقام يقتضي حصول المثوبة وثباتها وثبات الخيرية لها ليحصل مجموع معان عدل عن النصب المؤذن بالفعل إلى الرفع لأن الجملة الاسمية لا تفيد الحدوث بل الثبوت، وينتقل من إفادتها الثبوت إلى إفادة الدوام والثبات فدلالة الآية على ثبات المثوبة بالعدول عن نصب المصدر إلى رفعه كما في {سلام عليكم} و{الحمد لله} [الفاتحة: 2] ودلالتها على ثبات نسبة الخيرية للمثوبة من كون النسبة مستفادة من جملة اسمية فصارت الجملة بمنزلة جملتين لأن أصل المصدر الآتي بدلًا من فعله أن يدل على نسبة لفاعله فلو قيل لمثوبةً بالنصب لكان تقديره لأثيبوا مثوبة فإذا حولت إلى المصدر المرفوع لزم أن تعتبر ما كان فيه من النسبة قبل الرفع، ولما كان المصدر المرفوع لا نسبة فيه علم السامع أن التقدير لمثوبة لهم كما أنك إذا قلت سلامًا وحمدًا علم السامع أنك تريد سلمتُ سلامًا وحمدتُ حمدًا، فإذا قلت سلام وحمد كان التقدير سلام مني وحمد مني، وهذا وجه تنظير (الكشاف) وقرينة كون هذا المصدر في الأصل منصوبًا وقوعه جوابًا للو المتأصل في الفعلية، ثم إذا سمع قوله: {خير} علم السامع أنه خبر عن المثوبة بعد تحويلها فاستفاد ثبات الخيرية ولهذا لم يتعرض صاحب (الكشاف) لبيان إفادة الجملة ثبات الخيرية للمثوبة لأنه لصراحته لا يحتاج للبيان فإن كل جملة اسمية تدل على ثبات خبرها لمبتدئها.
وبهذا ظهر الترتب لأن المقصود من الإخبار عن المثوبة بأنها خير أنها تثبت لهم لو آمنوا.
وعندي وجه آخر وهو أن يقال إن قوله: {لمثوبة من عند الله خير} دليل الجواب بطريقة التعريض فإنه لما جعل معلقًا على قوله: {ولو أنهم آمنوا واتقوا} علم أن في هذا الخبر شيئًا يهمهم.
ولما كانت لو امتناعية ووقع في موضع جوابها جملة خبرية تامة علم السامع أن هذا الخبر ممتنع ثبوته لمن امتنع منه شرط لو فيكون تنكيلًا عليهم وتمليحًا بهم.
وقد قيل: إن لو للتمني على حد {لو أن لناكرة} [الشعراء: 102].
والتحقيق أن لو التي للتمني هي لو الشرطية أشربت معنى التمني لأن الممتنع يتمنى إن كان محبوبًا:
وأحب شيء إلى الإنسان ما منعا

واستدل على هذا بأنها إذا جاءت للتمني أجيبت جوابين جوابًا منصوبًا كجواب ليت وجوابًا مقترنًا باللام كجواب الامتناعية كقول المهلهل:
فلو نبش المقابر عن كليب ** فيخبر بالذنائب أي زير

ويوم الشعثمين لقر عينًا ** وكيف لقاء من تحت القبور

فأجيب بقوله: فيخبر وقوله: لقر عينًا.
والتمني على تقديره مجاز من الله تعالى عن الدعاء للإيمان والطاعة أو تمثيل لحال الداعي لذلك بحال المتمني فاستعمل له المركب الموضوع للتمني أو هو ما لو نطق به العربي في هذا المقام لنطق بالتمني على نحو ما قيل في قوله تعالى: {لعكم تتقون} [البقرة: 21] ونحوه.
وعلى هذا الوجه يكون قوله: {لمثوبة} مستأنفًا واللام للقسم.
والمثوبة اسم مصدر أثاب إذا أعطى الثواب والثواب الجزاء الذي يعطى لخير المعطي، ويقال ثوب وأثوب بمعنى أثاب فالمثوبة على وزن المفعولة كالمصدوقة والمشورة والمكروهة.
وقوله: {لو كانوا يعلمون} شرط ثان محذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه وحذف مفعول {يعلمون} لدلالة المثوبة من الله خير، أي لوكانوا يعلمون مثوبة الله لما اشتروا السحر.
وليس تكرير اللفظة أو الجملة في فواصل القرآن بإيطاء لأن الإيطاء إنما يعاب في الشعر دون النثر لأن النثر إنما يعتد فيه بمطابقة مقتضى الحال وفائدة هذا التكرير التسجيل عليهم بأنهم لا يعلمون ما هو النفع الحق. اهـ.